فصل: النوع الثالث: مما يحتاج إلى وصفه من جليل الوحش وكريم صيوده:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: صبح الأعشى في كتابة الإنشا (نسخة منقحة)



.النوع الثالث: مما يحتاج إلى وصفه من جليل الوحش وكريم صيوده:

وهو أصناف:
الصنف الأول: وهو ما يتخذه الملوك للزينة وما في معناها:
ويحتاج الكاتب إليه لوصفه في الهدايا والمواكب، وما يجري مجراهما، والمعول عليه من ذلك خمسة أضرب:
الأول الأسد ويجمع على أسد وأسد وأسود أساد ويقال له أيضاً: الليث والضيغم، والضرغام، والهزبر، والهيصم، والهرماس، والفرافصة، وحيدرة، والقسورة؛ وله أسماء كثيرة سوى هذه لا تكاد تدخل تحت الحصر، حتى قال ابن خالويه: للأسد خمسمائة اسم. ويقال لولده: الشبل، ولأنثاه: اللبؤة.
قال ابن السندي في كتابه المصايدو المطارد: وإذا تأملت أصناف الحيوان وبحثت صورها وما أعطيت من الأسلحة، ومقادير الخلق، وجدت الأسد أعظم خلقة، وأكثر ابدة، وأشد إقداماً من جميعها، ليست له غريزة في الهرب البتة.
ومن خصائصه وعجيب خلقه أن عظم عنقه عظم واحد ليست له خرز عظام كما في غيره من الحيوان، بدليل أنه لا يلوي عنقه ولا يلتفت؛ ومع ذلك فهو يبتلع الشيء العظيم. ولبوته لا تلد إلا جرواً واحداً، وإنها تضعه كاللحمة ليس فيه حس ولا حركة، فتحرسه ثلاثة أيام، ثم يأتي أبوه فينفخ فيه المرة بعد المرة حتى يتحرك، ثم تأتي أمه فترضعه؛ ولا يفتح عينيه إلا بعد سبعة أيام؛ ويكتسب لنفسه بالتعليم من أبويه بعد ستة أشهر. وهو قليل الشرب للماء وإن كان لا يفارق الغياض، وله صبرعلى الجوع، ولكنه إذا جاع ساءت أخلاقه، وليس يلقي رجيعه إلا مرة واحدة في اليوم، ويرفع رجله عند البول كما يفعل الكلب، وبيول إلى خلف كما تبول الجمال، وهو أشد السباع ضراوة على أكل بني آدم، وإذا افترس فريسة وأكل منها لا يعود إليها، ولا يطأ أثره شيء من السباع.
قال ابن السندي في المصايد والمطارد: ولا يأكل من فريسة غيره من السباع. وقد قيل: إنه يهرب من الهر، ومن الجرو، ومن الديك الأبيض؛ وإنه إذا رأى النار عرضت له فكرة أورثته بهتة، وأنه يهرب من عواء الجرو إذا عركت أذنه.
ويقال: إن جلده إذا جعل فيما يخاف عليه السوس من الثياب وغيرها أمن من ذلك؛ وإنه إذا عمل منه وتر قوس وأضيف الى أوتار من فراء ومعي أو غيرها أبطل أصواتها وعلا صوته عليها. ومن طبعه أنه لا يشرب ماء ولغ فيه كلب وإن مات عطشاً.
الثاني النمور جمع نمر بفتح النون وكسر الميم ويجمع أيضاً على أنمار ونمار، والأنثى نمرة. وهو حيوان مرقع اللون بسواد وبياض، أقرب شيء من خلقه الفهد؛ وهو أخبث من الأسد؛ لا يملك نفسه عند الغضب حتى إنه ربما قتل نفسه من شدة غضبه.
قال: ابن السندي: وهو ودود لجميع الحيوان، عدو للنسر، وينام ثلاثة أيام. والحيوان بطيف به ويميل إليه استحساناً لجلدته.
وهو جنسان، أحدهما: عظيم الجثة صغير الذنب، والثاني: صغير الجثة عظيم الذنب.
قال في المصايد المطارد: ويصاد بالحمر لأنه يحبها. قال: ومن أراد قتله تمسح بشحم ضبع ودهل عليه فقتله.
الثالث الكركدن بفتح الكافين وسكون الراء المهملة وفتح الدال المهملة ونون مشددة في الآخر.
قال الزمخشري في ربيع الأبرار: وهو وحش يكون ببلاد الهند يسمى الحمار الهندي، له قرن واحد في جبهته يبلغ غلظه شبرين، وهو محدد الرأس إلا أنه ليس بالطويل؛ وأنه إذا قطع ظهرت فيه صورة عجيبة. وإنه ربما نطح الفيل فبعجه بقرنه. وإن أنثاه تحمل سبع سنين؛ وإنه إذا كن بأرض لم يدع شيئاً من الحيوان حتى يكون بينه وبينه مائة فرسخ من جميع جهاته هيبة له وهرباً منه.
الرابع الفيل وهو حيوان يؤتي به من بلاد الهند والحبشة.
قال الجاحظ: وهو من الحيوانات المائية وإن كان لا يسكن الماء. وهو من ذوات الخراطيم، وخرطومه أنفه، كما أن لكل شيئ من الحيوان أنفاً، وهو يده، وبه يتنأول الطعام والشراب، ومنه يغني ويجر فيه الصوت كما يجره الزامر في القصبة بالنفخ. قال: وأصحابنا يزعمون أنه بينه وبين السنور عداوة، وأن الفيل يهرب منه هرباً شديداً.
وذكر صاحب الخيل في الحروب أنه يقصر عن صوت الخنزير وأنه بذلك ينفر في الحروب. وقد ذكر الجوزي: أن للفيل إقداماً على السبع.
قال الجاحظ: وهو يعادي البعوض لأنه يثقب جلده بقرصه، ومن ثم يرى الفيل دائماً يحرك آذانه ليطرد عنه الناموس. وهو مخصوص بخفة وقع قوائمه على الأرض إذا مشى، حتى لو أن إنساناً كان جالساً وجاء الفيل من خلفه لما شعر به.
وذكر عبد القاهر البغدادي: أن الفيلة تحمل سبع سنين، وقيل سنتين، وقيل: ثلاث قبل أن تضع؛ وأن لسان الفيل مقلوب: طرفه داخل حلقه وأصله من خارج، على العكس من سائر الحيوان؛ وأن ثدييها على كبدها، وترضع أولادها من تحت صدرها.
وقد ذكر الغزالي: أن فرجها تحت بطنها، فإذا كان وقت الضراب ارتفع وبرز للفحل حتى يتمكن من إتيانها.
الخامس الزرافة بفتح الزاي وضمها وهي حيوان يؤتى به من بلاد الحبشة واليمن، طويل اليدين، قصير الرجلين، ذنبه وحوافره كذنب البقر وحوافرها، ورقبته ورأسه كرقبة الجمل ورأسه، ولونه موشى بالبياض والصفرة.
قال الجاحظ: وقد زعموا أن الزرافة تتولد بين الناقة من نوق الحبشة وبين بقر الوحش وبين الذيخ وهو ذكر الضباع وذلك أن الذيخ يعرض للناقة بقر الوحش وبين الذيخ وهو ذكر الضباع وذلك أن الذيخ يعرض للناقة فيسفدها فتلقح بولد يجيء خلقه بين الناقة والضبع، فإن كان الولد أنثى عرض لها الثور الوحشي فيضر بها فيأتي الولد زرافةً، وإن كان ذكراً تعرض للمهاة فألقحها فيأتي الولد زرافة أيضاً.
قال: ومنهم من يزعم أن الزرافة الأنثى لا تلقح من الزرافة الذكر؛ ثم قال: وهذا مشهور باليمن والحبشة. ثم إن كانت أسنانها سوداً دلت على هرمها، وإن كانت بيضاً دلت على حداثة سنها.
ومن أمراضها: الكلب وهو كالجنون يعتريها كما يعتري الكلب فيقتلها وكل من عضته وهي على هذه الحالة قتلته إلا ابن آدم فإنه ربما عولج فسلم. ومن أمراضها أيضاً: الذبحة والنقرس.
الصنف الثاني: معلمات الصيد:
وقد يعبر عنها بالضواري؛ وهي كل ما يقبل التعليم من الوحوش كائناً ما كان؛ حتى حكي عن السوداني القناص، أنه بلغ من حذقه أنه ضرى ذئباً حتى اصطاد به الظباء وما دونها، وألفه حتى رجع إليه من ثلاثين فرسخاً، وضرى أسداً حتى اصطاد به حمر الوحش. ويقال: إن ابن عرس يجعل حبل في عنقه ويدخل على الثعلب فلا يخرج إلا به. وهي على ضربين: الأول الفهودة جمع فهد بكسر الهاء وقد زعم أرسطو طاليس: أنه يتولد من أسد ونمرة أو من نمر ولبوة. وهو من السباع التي تصاد ثم تؤنس حتى تصيد. وهو من الحيوان المحدد الأسنان، وأسنانه يدخل بعضها في بعض كالكلب وغيره.
قال في التعريف: وأول من صاد به كسرى أنو شروان أحد ملوك الطبقة الأخيرة من الفرس. قال في المصايد والمطارد: ويصطادونه بضروب من الصيد: منها: الصوت الحسن، فإنه يصغي إليه إصغاء شديداً.
ومنها: كده وإتعابه حتى يحميى ويعيا وينبهر ويحفى، فإذا أخذ غطيت عيناه وأدخل في وعاء، وجعل في بيت ما دام وحشياً، ووضع عنده سراج ولازمه سائسه ليلاً ونهاراً ولم يدعه يرى الدنيا، ويجعل له مركباً كظهر الدابة يعوده ركوبه ويطعمه على يده فلا يزال كذلك حتى يتأنس، فإذا ركب مؤخر الدابة فقد صار داجناً وصاد.
وفي طباعه أمور: منها: كثرة النوم حتى يضرب بنومه المثل فيقال: أنوم من فهد وكثرة الحياء حتى إنه لا يعلم أنه عاظل أنثى بين يدي الإنس، وقد عني بمراعاته في ذلك فلم يوقف عليه، وإن كان الأسد يفعل ذلك كثيراً.
ونقل ابن السندي عن بعض الفهادة: أن سائسه إذا أمر يده عليه اطمأن إليه ومال، فإذا وضع يده على فرجه نفر وعض يده.
ومنها: الغضب حتى إنه أرسل على صيد فلم يحصله احتد؛ وإن لم يأخذ سائسه في تسليته قتل نفسه أو كاد.
قال صاحب المصايد والمطارد: والمسن من الفهود إذا صيد كأن أسرع في الصيد من الجرو الذي يربى ويؤدب. والأنثى أصيد من الذكر كعامة إناث الجوارح. قال: وليس شيء من الوحش في قدر جرم الفهد إلا والفهد أفضل منه.
قال في المصايد والمطارد: وضد الفهد الظباء والوعول على اختلاف أجناسها.
الثاني الكلاب جمع كلب ويجمع على أكلب أيضاً وعلى كليب، كعبد وعبيد. والأنثى كلبة، وتجمع على كلبات بالفتح وهو حيوان شديد الرياضة، كثير الوفاء مشترك الطباع بين السبع والبهيمة، لأنه لو تم له طباع السبعية لما ألف الناس، ولو تم له طباع البهيمية لما أكل اللحم. ويقال: إنه يحتلم وأنثاه تحيض؛ وتحمل أنثاه ستين يوماً، وربما حملت أقل من ذلك. ويسفد بعد سنة، وربما تقدم على ذلك، ولها عند السفاد اشتباك عظيم. وإذا سفد الأنثى كلبان مختلفان أتت من كل واحد بلونه. وفيه من اقتفاء الآثار وشم الرائحة ما ليس لغيره من الحيوان. والميتة أحب إليه من اللحم الغريض.
ومن طبعه: إنه يحرس صاحبه شاهداً أو غائباً، ذاكراً أوغافلاً، ونائماً أو يقظان. وهو أيقظ حيوان في الليل؛ وإذا نام كسر أجفان عينيه ولا يطبقها لخفة نومه.
ومن عجيب شأنه أنه يكرم الرئيس من الناس فلا ينبحه وإنما ينبح أو باش الناس.
ومن طبعه أن الضبع إذا مشت على ظله في القمر رمى بنفسه بين يديها فتأكله، وإذا ظفر بكلب غريب كاد يفترسه.
وقد أجاز الشارع اتخاذها للصيد ونحوه، أباح صيدها مع نجاسة عينها.
قال في التعريف: وأول من اتخذها للصيد دارا أحد ملوك الفرس.
قال في المصايد والمطارد: وإذا كسر الكلب الأرانب فهو نهاية وإن كان يطيق فوق ذلك. والكلب يمسك لصاحبه، ولذلك لا يأكل من الصيد بخلاف سائر الجوارح. قال: وإناثها أسرع تعلماً من الذكور، وأطول أعماراً حتى إنها تعيش عشرين سنة.
ومن خاصية الكلب: أنه إذا عاين الظباء قريبة كانت أو بعيدة عرف منها العليل من غيره، والعنز من التيس؛ فيتبع التيس منها دون العنز وإن كن التيس أشد عدواً وأبعد وثبةً، لأنه يعلم أن التيس إذا عدا شوطاً أو شوطين غلب عليه البول ولا يستطيع إرساله في عدوه فيقل عند ذلك عدوه ويقصر مدى خطاه فيدركه الكلب؛ بخلاف العنز فإنها غذا اعتراه البول أرسلته لسعة مسيله؛ والكلب يعرف ذلك كله طبعاً، وكذلك يعرف جحرة الأرانب والثعالب، وإن ركبها الثلج والجليد يشمه فيقف عليه ويثير ما فيها من الوحش؛ وإذا صعد منه أرنب الى أعلى جبل شاهق كان له من التلطف في الارتقاء والصعود ما لا يلحقه غيره، بل لا يخفي عليه من الصيد الميت من المتماوت.
ومن خصائص الأنثى: أنها تحمل ستين يوماً ويبقى جروها بعد الولادة اثني عشر يوماً أعمى؛ وأكثر ما تضع ثمانية أجراء، وربما وضعت واحداً فقط. ورأس الكلب كله عظم واحد. والكلب يطرح مقادم أسنانه ويخلفها، ولكنه لا يظهر لكثير من الناس لأنه لا يلقي منها شيئاً حتى ينبت في مكانه غيره. والفرق بين الذكر والأنثى أن الذكر إذا أدرك يرفع رجله عند البول والأنثى تبول مقعية وربما رفعت رجلها؛ والذكر يهيج للسفاد في السنة قبل الأنثى؛ وأسنان الذكر أكثر، ومضغه أشد.
قال الجاحظ: وخير الكلاب ما كان لونه يذهب الى لون الأسد بين الصفرة والحمرة، ثم البيض إذا كانت عيونها سوداء. وذكر صاحب المصايد والمطارد: أن الأبيض أفره، والأسود أصبر على الحر والبرد.
ومن علامة النجابة والفراهة فيه: أن يكون تحت حنكه طاقة شعر مفردة غليظة، وأن يكون شعر حديه جافياً. ومن علامة الفراهة: طول ما بين يديه ورجليه، وقصر ظهره، وصغر رأسه، وطول عنقه، وغضف أذنيه، وبعد ما بينهما، وزرقة عينيه، وضخامة مقليته، ونتوء حدقته، وطول خطمه وذقنه، وسعة شدقه، ونتو جبهته وعرضها.
ويستحب فيه: أن يكون قصير اليدين، طويل الرجلين، طويل الصدر غليظه، قريبه من الأرض، ناتئ الزور، غليظ العضدين، مستقيم اليدين، منضم الأظافير، عريض ما بين مفاصل الأعطاف، عريض ما بين عظمي أصل الفخذين مع طولهما وشدة لحمهما، دقيق الوسط، مستقيم الرجلين، قصير الساقين، غير محني الركبتين، قصير الذنب إن كان ذكراً مع دقة وصلابة. وإن الكلبة إذا ولدت اثنين كان الذكر منهما أفره من الأنثى، وإن ولدت ثلاثة فيها أنثى في شبه الأم كانت أفره من الثلاثة، وإن كان في الثلاثة ذكر واحد كان أفرهها؛ وإذا القيت الجراء وهي صغار في مكان ندي فأيها مشى على أربع فهو أفره.
ومن أعظم أدوائها: الكلب بفتح اللام وهو داء كالجنون يعتري الكلب يؤثر فيمن عضه أنه يخرج من ذكره جراء صغار.
ومن عجيب ما يحكى في ذلك: أن رجلاً عضه كلب كلب فتلقاه بكمه فأصابته أسنانه ولعابه، فشمر كمه ساعة ثم نشره فتساقط منه جراء صغار.
ثم كلاب الصيد على ضربين: سلوقية بفتح السين وزغارية بضم الزاي.
فأما السلوقية فمنسوبة الى سلوق: بلدة من اليمن، كما قاله صاحب المصايد والمطارد والمؤيد صاحب حماه في تقويم البلدان، والمقر الشهابي ابن فضل الله في التعريف.
قال في التعريف: وهي مولدة بين الثعالب والكلاب، ولذلك لا تقبل التعليم إلا في البطن الثالث منها؛ قال: ولها سلاح جيد. قال في المصايد والمطارد: ولها أنساب كأنساب الخيل، قال: وقل أن يعرض لها مرض الكلب.
وأما الزغارية فهي ألطف قداً من السلوقية؛ ولم أدر إلى ماذا تنسب.
الصنف الثالث ما يعتني بصيده من الوحش، والمشهور منه عشرون ضرباً:
الأول الحمارة العتابية: وهي حيوان في صورة البرذون موشى الجلد بالبياض والسواد يروق الناظر حسنها. وقد كان أهدي للظاهر برقوق سقى الله عهده حمارة من هذا النوع، فأقامت مدة، ثم أعطاها فقيراً من فقراء العجم فكان يركبها كما تركب الخيل والحمير ويمشي بها في القاهرة، ثم عوضه الناصر بن الظاهر سلطان العصر عنها عوضاً، واعتادها منه، وأرسلها في هدية لا بن عثمان صاحب بلاد الروم غربي الخليج القسطنطيني.
الثاني البقر الوحشية وتعرف بالمها؛ وهي دون البقر الأهلية في المقدار، ولها قرنان في رأسها، في كل قرن منهما شعب؛ وهي من جليل الصيد؛ ويقال للفتي منها: المها؛ وبها يضرب المثل في حسن العيون وسوادها.
ومن طبعه: الشبق وشدة الشهوة، ولذلك إذا حملت أنثاه هربت منه خوفاً من تعبثه بها وهي حامل؛ وربما ركب الذكر الذكر لشدة شبقه.
قال صاحب المصايد والمطارد: وكل إناث الحيوان أرق صوتاً من الذكور إلا البقر الوحشية فإن الأنثى أفخم صوتاً وأظهر من الذكر. ومواضعها من البرية: الوهدات، وما استوى من الأرض ودنا من الماء والعشب، وليست مما يسكن الجبل؛ ولذلك عيب في ذلك محمد بن عبد الملك الزيات كاتب المعتصم ووزيره حيث وصف ثوراً من ثيرانها برعيه في الجبل. وهي مما يصاد بالطرد على الخيل. ويقال إن أول من طردها على الخيل ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان، فإنه أول من ركب الخيل على قول؛ ولما ركبها رأى بقرة وحشية فطردها فلجأت الى مكان يمكنه أخذها منه، فرق لها وتركها. ويقال: إن من الكلاب ما يتسلط عليها ويتعلق بها؛ وأقدر معين له عليها من جوارح الطير العقاب. قال ابن السندي: ودمعها أسرع الى الجمود من دم سائر الحيوان.
الثالث الحمر الوحشية: ويقال للأنثى من حمر الوحش: أتان، وللذكر: حمار وعير، كنا يقال في الحمر الإنسية؛ وربما قيل: الفراء؛ وهو من أشد الصيد عدواً، ولذلك يضرب به المثل فيقال: كل الصيد في جنب الفرا أو في جوف الفرا. وبه تشبه العرب خيلها وإبلها في السرعة. ويقال: إن الحمار الوحشي لا ينزو إلا إذا كان له من العمر ثلاثون شهراً؛ وإن الأنثى لا تلقح منه حتى يتم له ثلاث سنين، وقيل سنتان وستة أشهر. ويوصف بشدة الغيرة على أتنه حتى يقال: إن فيها ما ذا ولد له ولد ذكر كدم قضيبه وخصيبه حتى يقطعهما.
قال في المصايد والمطارد: وليس يتعلق به شيء من الضواري ولا الجوارح إلا العقاب؛ ولا شيء أبلغ في صيده من الرمي بالنشاب.
الرابع الغزلان ويقال لها الظباء بكسر الظاء أحدها ظبي. ثم الطباء على ثلاثة أضرب: أحدها: البيض ويقال لها: الآرام جمع رئم، ومساكنها الرمل، ويقال: هي ضأن الظباء.
وثانيها: الأدم وهي ظباء سمر الظهور، وبيض البطون، طويلة الأعناق والقوائم، وهي أسرعها عدواً؛ ومساكنها الجبال والشعاب.
وثالثها: العفر وهو صنف يعلوه مع البياض حمرة؛ قصار الأعناق؛ ومسكنها صلاب الأرض.
ويصيد جميعها الفهد والكلب والعقاب؛ وتصاد أيضاً بالحبالة والشرك، وربما صيدت بإيقاد النار بإزائها، لأن الظبي إذا رأى النار في الليل تأملها وأدمن النظر إليها وغشي بصره وذهل؛ وقد يضاف الى النار تحريك جرس ونحوه فيزداد ذهوله فيؤخذ؛ وتصاد بأمور أخرى غير ذلك.
الخامس الأياييل جمع أيل بضم الهمزة وتشديد الياء المثناة تحت ولام في الآخر. وهو حيوان قريب الشبه من الظباء، له قرنان في رأيه كالظبي.
قال في المصايد والمطارد: وهو معتصم بالجبل قلما يحل السهل؛ وقرونه مصمتة لا تجويف فيها، ويخلفها في كل عام غيرها، ويبتدئ في ذلك بعد مضي سنتين من ولادته؛ وله أربع أسنان في كل ناحية من ناحيتي فيه، وذكره عصب لا لحم فيه ولا غضروف ولا عظم؛ ودم كل حيوان يجمد إلا دمه؛ وليس للأنثى منها قرون البتة؛ وأصوات ذكورها أحمد من أصوات إناثها؛ وهو يرتاح لسماع الغناء. وإذا مر بشجرة الزيتون ذل لها؛ ويأكل الحيات ولا يضره سمها. وسيأتي في الكلام على الأحجار أن البادزهر الحيواني من صنف منه.
ومن خواصه: أنه إذا بخر بقرنه كع كبريت أحمر هربت الحيات. السادس الأرنب جمع أرنب مع كبريت أحمر هربت الحيات.
السادس الأرنب جمع أرنب والأرنب مؤنثة؛ وهي حيوان صغيرة الجثة قصيرة اليدين قريب من لون الثعلب؛ وليس شيء مما يوصف بقصر اليدين أسرع منها.
ومن خصائصها: كثرة الشعر حتى إنه لينبت في بطون شدقيها وتحت رجليها. وقضيب ذكر الأرنب من عظم؛ وربما ركبت الأنثى الذكر في السفاد. ولا ينام الأرنب إلا مفتوح العين. ومن طبعها أنها تطأ الأرض بباطن كفها لتعفي أثرها، إلا أن الكلب الماهر يدرك أثر قوائمها.
ومن شأنها: ألا تأوي الى ساحل البحر، وإذا طردت لجأت الى الجبال واشتد عدوها فيها؛ والأنثى لا تسمن؛ وهي عند العرب مما يحيض؛ وتسفد وهي حبلى؛ وتلد الأول والثاني على ما في بطنها.
السابع الذئاب جنمع ذئب وهو حيوان في صورة الكلب في لونه بلق بكمودة؛ والذئبة أجرأ من الذئب وأشد عدواً؛ وأسنانه عظم مخلوق في فكيه ليست مغروسة فيهما كسائر الحيوان.
قال ابن السندي: وأخبرني أبو بكر الدقيشي أن هذه الخلقة في أسنان الضبع أيضاً. والذئب صاحب خلوة وانفراد، ومتى رأى الإنسان قبل أن يراه أخفى صوته؛ ون رآه جزع منه احترأ عليه وساروه. وإذا تسافد هو وأنثاه التحما التحاماً شديداً حتى يقال: إنه إذا هجم عليهما داخل في هذه الحالة قتلهما كيف شاء، ولذلك يبعدان في هذه الحال الى مكان لا يريان فيه. وإذا تهارش ذئبان فأدمى أحدهما الآخر عدا الذي أدمى على المدمى فقتله خوفاً من أخذ الثأر؛ وإذا عجز الذئب عن الدفع عوى فاجتمع إليه الذئاب نصرة له؛ وإذا لقي الفارس والرض مثلوجة خمش الثلج بيديه ورمى به في وجه الفارس ليدهشه ثم يعقر دابته فيتمكن منه؛ ومتى وطئ الفرس أثر الذئب رعد وخرج الدخان من جسده كله، ولذلك قل من يطرد من الفرسان ولا يتفطن لوطء أثره. ويصاد بالكلاب وغيرها؛ وقد تقدم أن السوداني ضرى ذئباً حتى اصطاد له الظباء.
الثامن الثعالب جمع ثعلب؛ وهو حيوان معروف، موصوف بكثرة الروغان في عدوه وبالحيل حتى إنه يتماوت عند رؤية الغراب فينزل عليه الغراب على ظن موته ليأكل منه فيقبضه هو. ومن خبثه وحيلته يختلط بكبار الوحوش وجلتها.
قال في المصايد والمطارد: ومن فضائله تشبيههم مشية الخيل بمشيته التي يقال لها: الثعلبية.
ومن عجائبه: أن قضيبه في خلقة الأنبوية، أوسطه عظم في صورة الثقب والباقي عصب ولحم. وهو كريم الوبر؛ والأسود من وبره في الغاية القصوى، والأبيض منه لا يكاد يفرق بينه وبين الفنك.
ومن خصائصه: أنه يتمرغ في الزرع فلا ينبت موضعه؛ وربما سفد الكلبة فولدت كلباً في خلقة السلوقي الذي لا يقدر على مثله؛ وقد تقدم ذكر ذلك في الكلام على الكلاب السلوقية. ومواضعه الكروم والآجام. ويصيده الفهد والكلب وجوارح الطير.
التاسع الضباع جمع ضبع ويقال لها: أم عامر؛ وهي مما يؤكل وإن كانت من ذوات الناب لورود النص بذلك. وتزعم العرب أنها تكون سنة ذكراً وسنة أنثى.
ومن خصائصها: أنها إذا رأت الكلب في ليلة مقمرة على سطح ووطئت ظله وقع فأكلته. وإذا اقتحم عليها مقتحم وجارها وقد سد جميع منافذ جحرها حتى يمتنع منه الضوء فلا يبقى فيه خرم إبرة؛ ربطها بحبل وخرج بها؛ وإن بقي ما يدخل منه الضوء، ولو قدر سم إبرة وثبت عليه فأكلته، ومن كان معه شيء من الحنظل لم تقربه الضبع.
العاشر سنور البر وهو التفا. وفي حله عند الشافعية وجهان، أصحهما التحريم. وصيده يحتاج الى علاج كبير؛ وربما وثب على وجوه الناس؛ وطرده بالخيل من أعسر الطراد؛ وأولى ما يصاد به الرمي. ومنهم من يعده في السباع.
قال في المصايد والمطارد: وقلما انتفع به في صيد، إلا أنه يثب على الكركي وما في مقداره من الطيور فيصيده. أما السنور الأهلي، وهو الهر المعروف، فغير مأكول ولا يصيد إلا الفأر وما في معناه من خشاش الأرض؛ ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم في الهرة: ولكنها من الطوافين عليكم بمعنى تطوف على النائم في بيته فتقبض مالعله يسرح عليه من الخشاش.
الحادي عشر الدب وهو حيوان قريب في الصورة من السبع؛ وهو يسكن الجبال والمغاير؛ والأنثى ترفع ولدها أياماً هرباً به من الذر والنمل لأنها تصعه كقطعة لحم، فلا تزال تنقله وتراعيه حتى تشتد أعضاؤه، وتجعله تحت شجرة الجوز وتصعدها فتجمع الجوز في كفها ثم تضرب اليمنى على اليسرى وترمي إليه؛ فإذا شبع نزلت؛ وربما قطعت من الشجرة العود الذي يعجز الناس عنه وتقبض عليه في موضع مقبض العصا وتشد به على الفارس وغيره فلا تصيب به شيئاً إلا أهلكته.
ومن خصيصته: أنه يستتر في الشتاء فلا يظهر إلا في الصيف بخلاف سائر الحيوان.
الثاني عشر الخنزير وهو حرام بنص القرآن، ونجس في مذهب الشافعي رضي الله عنه قياساً على الكلب، بل قالوا: إنه أسوأ حالاً منه لعدم حل اقتنائه، إلا أنه مباح القتل فيكون في معنى الصيد. وهو حيوان في نحو مقدار الحمار وشعره كالإبر؛ وله نابان بارزان من فكه الأسفل.
ومن خاصته: أنه لا يلقي شيئاً من أسنانه، بخلاف سائر الحيوان فإنها تلقي أسنانها خلا الأضراس. وهو كثير السفاد كثير النسل، حتى إنه ربما بلغت عدة خنانيصه، وهي أولاده، اثني عشر خنوصا.
قال في بالمصايد والمطارد: وهومن الحيوان البري الجاهل الذي لا يقبل التاديب والتعليم، ويقبل السمن سريعاً؛ ويقال إنه إذا جعل بين الخيل سمنت.
الثالث عشر السمور بفتح السين وبالميم المشددة المضمومة على وزن السفود والكلوب؛ وهو حيوان بري يشبه السنور، وقد يكون أكبر منه.
قال عبد اللطيف البغدادي: وهو حيوان جريء ليس في الحيوان أجرأ منه على الإنسان، لا يصاد إلا بالحيل. ووقع للنووي في تهذيب الأسماء واللغات: أن السمور طير؛ ولعله سبق قلم منه. وأغرب ابن هشام البستي في شرح الفصيح فقال: إنه ضرب من الجن. والتحقيق أنه من جملة الوحوش كما تقدم. وحكمه حل أكله. ومه يتخذ نفيس الفراء التي لا يلبسها إلا الملوك وأكابر الأعيان ممن يداني الملوك لحسنها ودفائها؛ وأحسنه ما كان منه شديد النعومة مائلاً الى السواد.
الرابع عشر الفنك بفتح الفاء والنون وهو دويبة لطيفة لها وبر حسن ابيض يخالطه بعض حمرة بتخذ من جلوده الفراء.
قال ابن البيطار: وفروه أطيب من جميع الفراء؛ ومزاجه أبرد من السمور وأحر من السنجاب، ويصلح للأبدان المعتدلة؛ قال: وكثيراً ما يجلب من بلاد الصقالبة.
الخامس عشر القاقم بقافين الثانية منهما مضمومة وهو دويبة في قدر الفأر لها شعر أبيض ناعم؛ ومنه يتخذ الفراء. وهو أبرد مزاجاً وأرطب من السنجاب؛ ولذلك كان لونه البياض؛ وهو أعز قيمة من السنجاب.
السادس عشر الدلق بفتح الدال المهملة واللام وقاف في الآخر فارسي معرب؛ وهو دويبة تقرب من السمور.
قال عبد اللطيف البغدادي: وهو يفترس في بعض الأحايين ويكرع في الدم. وذكر ابن فارس: أنه النمسز وقد ذكر الرافعي أنه يسمى: ابن مقرض، والمعروف أن الدلق حيوان تتخذ منه الفراء.
السابع عشر السنجاب وهو حيوان أكبر من الفأر ووبره في غاية النعومة وجلده في نهية القوة. وحكمه الحل؛ وقال بتحريمه بعض الحنابلة. ويتخذ من جلده الفراء النفيسة التي يلبسها أعيان الناس ورؤساؤهم.
ومن شأنه: أنه إذا أبصر الإنسان صعد الشجر العالي، وفيها يأوي، ومنها يأكل. وهو كثير ببلاد الفرنج والصقالبة، وأحسن ألوانه الأزرق؛ ثم إنه يقال إنه ربما تبقى زرقته لأنه يخنق ولا يذكى، فإن صح ذلك فهو ميتة لا يطهر شعره بالدباغ على أظهر القولين من مذهب الشافعي رضي الله عنه خلافاً للأستاذ أبي إسحاق الإسفرايني وابن أبي عصرون فإنهما يريان طهارة الشعر بالدباغ وهو رواية الربيع الجيزي عن الشافعي واختاره الشيخ تقي الدين السبكي رحمه الله.
الثامن عشر سنور الزباد وهو في صورة السنور الأهلي إلا أنه أطول ذنباً منه وأكبر جثة؛ ولونه الى السواد أميل، وربما كان أنمر، وهو يجلب من بلاد الهند والسند؛ والزباد فيه شبيه بالوسخ الأسود اللزج، ذفر الرائحة، يخالطه طيب كطيب المسك، ويوجد في باطن إبطه، وباطن أفخاذه، وباطن ذنبه، وحول دبره؛ فيؤخذ من هذه الأماكن بملعقة ونحوها.
التاسع عشر السنور الأهلي وهو الهر ويقال في أصل خلقه: إن أهل السفينة شكوا إلى نوح عليه السلام ضرر الفأر فمسح على وجه الأسد بيده فعطس فخرج السنور من أنفه، ولذلك هو يشبهه في التكوين وكيفية الأعضاء.
وفيه مشاركة للإنسان في خصال:
منها: أنه يعطس، ويتثاءب، ويتنأول الشيء بيده، ويأكل اللحم، ويمسح وجهه بلعابه كأنه يغسله؛ وإذا اتسخ شيء من بدنه نظفه، وإذا قضى حاجته خبأ ما يخرج منه، ويشمه حتى تخفى رائحته. ويقال: إنه يفعل ذلك كيلا يشمه الفأر فيهرب، وهو للسفاد في آخر الشتاء، ويكثر الصياح حينئذ، وتحمل الأنثى منه مرة في السنة، وتقيم حاملاً خمسين يوماً؛ وإذا ألف منزلاً منع غيره من السنانير من الدخول إليه، وإذا طرده أهل البيت تملق لهم وترقق، وإذا اختطف شيئاً هرب به خوف المعاقب عليه.
والهرة إذا جاعت أكلت أولادها، ويقال: إنها تفعل ذلك من شدة الحنو. وقد ذكر القزويني: أن نوعاً من السنانير له أجنحة كأجنحة الخفافيش متصلة من أذنها إلى ذنبها.
العشرون النمس قال الجوهري: وهو دويبة عريضة كأنها قطعة قديد، تكون بأرض مصر تقتل الثعبانن والنمس بمصر معروف، وهو حيوان قصير اليدين والرجلين أغبر اللون، طويل الذنب، يصيد الدجاج، وإذا رأى ثعباناً قبض عليه وقتله؛ وربما صيد وأنس فتأنس.
فإذا علم الكاتب صفات الوحوش، وخصائصها، عرف كيف يورد الجليل منها من الأسد والفيل ونحوها موارده في الوصف، وكيف يصف ضواري الصيد كالفهد وكيف يصف وحوش الصيد كالظباء، وبقر الوحش، وحمر الوحش وغيرها؛ وكذلك ما يقع من التشبيهات بشيء من الحيوان كما قال بعض الشعراء:
وتجتنب الأسود ورود ماء ** إذا كان الكلاب يلغن فيه

وكما أنشد الجاحظ:
جاءت مع الأفشين في هودج ** تزجي إلى البصرة أجنادها

كأنها في فعلها هرة ** تريد أن تأكل أولادها

مشيراً بذلك إلى ما تقدم من أكل الهرة أولادها، وغير ذلك مما يجري هذا المجرى، وسيأتي ذكر ما في معنى ذلك من الرسائل المتعلقة بأوصاف الحيوان في المقالة العاشرة المعدة لذلك إن شاء الله تعالى.